يشهد واقع الصحة النفسية في مسقط اهتماماً متزايداً، يأتيي هذا الاهتمام ليواكب التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، والكثافة السكانية والتنوع الثقافي في المدينة الكبيرة، وعلى الرغم من هذا الاهتمام لا يزال هناك العديد من التحديات التي تقف عائقاً في وجه تقديم الخدمات النفسية على أكمل وجه.
سنتحدث في هذه المقالة عن واقع الصحة النفسية في مسقط، كما سنسلط الضوء على أبرز التحديات التي تعيق وصول خدمات الصحة النفسيةفي المدينة.
واقع الصحة النفسية في مسقط
الوعي بالصحة النفسية
تزايد الوعي بأهمية الصحة النفسية بشكل ملحوظ بين سكان مسقط خلال السنوات الأخيرة، حيث تزايد الإقبال على المراكز والمستشفيات النفسية.
ورغم أن نسبة من السكان ما زالت تشعر بالخجل من الاعتراف بالمرض النفسي، إلا أن هناك نسبة ليست بالقليلة باتت تتحدث عن المشاكل والضغوط التي تعاني منها بسهولة، وخاصة فئة الشباب والجامعيين.
ساعد في ذلك الجهود التي تبذلها الحكومة في نشرالوعي بالصحة النفسية، من خلال الأنشطة وبرامج التوعية في المدارس والجامعات، بالإضافة للدورالكبير لوسائل التواصل الاجتماعي، التي ساهمت في إصال صوت الأطباء والمعالجيين النفسيين، وتقديم معلوماتهم عن الصحة النفسية بلغة سهلة ومفهومة للجميع.
خدمات الصحة النفسية
تسعى سلطنة عمان إلى تعزيز الوعي بالصحة النفسية وأهمية طلب المساعدة المختصة دون خوف أو خجل، وذلك من خلال توفير خدمات متنوعة عبر المؤسسات الحكومية والخاصة.
تقوم وزارة الصحة بالعديد من المبادرات وحملات التوعية بشكل مستمر في المدارس والجامعات وعلى وسائل الإعلام المختلفة، كما أنها تنظم جلسات علاجية وإرشادية تهدف لدعم الشباب وتقديم العون لهم في مواجهة الضغوط الدراسية والاجتماعية.
بالإضافة للمبادرات التي يقدمها الأطباء والمعالجين النفسيين في مسقط، عبر صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال تطبيقات الكترونية، تجعل الوصول إلى الأخصائي النفسي أسهل وأسرع، وتشجع على طلب المساعدة عند الحاجة دون تردد.
كما تضم مسقط عدداً من المستشفيات والمراكز النفسية الحكومة والخاصة، التي تقدم الخدمات النفسية المتخصصة، مثل مشفى المسرة الحكومي، الذي يوفر خدمات نفسية شاملة للأطفال والمراهقين والبالغين، إضافة إلى علاج الإدمان، ومستشفى مسقط الخاص، بالإضافة لانتشار العيادات النفسية والمراكز الأسرية، مثل عيادة احتواء وعيادة همسات السكون للصحة النفسية، التي توفر الجلسات العلاجية بجودة عالية.
الإحصائيات
تشير الإحصائيات إلى أن نسبة انتشار الاكتئاب بين السكان في مسقط تبلغ حوالي 11%، بينما يظهر القلق لدى 3.5% منهم، ويعاني من الأرق حوالي 10% من السكان.
كما توضح الدراسات أن معدلات إصابة النساء بالقلق والاكتئاب غالباً ما تكون أعلى من الرجال، نتيجة ضغوط الأسرة والتميز الجنسي.
ورغم هذه النسب إلا أن الإقبال على العلاج النفسي ما يزال منخفضاً، حيث أن نسبة من يطلبون مساعدة بشكل فعلي لا تتجاوز 38%، ويأتي ذلك نتيجة الوصمة الاجتماعية والخوف من نظرة المجتمع، ونقص الوعي حول الاضطرابات النفسية وأهمية علاجها.
التحديات التي تواجه الصحة النفسية في مسقط
تواجه الصحة النفسية في مسقط عدة تحديات متنوعة تؤثر على جميع جوانب الحياة وتمس مختلف الفئات العمرية، هذه التحديات تتطلب استجابة شاملة وجهوداً منظمة من الحكومة العمانية والقطاع الصحي، بهدف احتوائها ومعالجتها بشكل فعّال، ومن أبرز هذه التحديات:
1- وصمة العار من الاضطرابات النفسية في المجتمع العماني
رغم الانفتاح التدريجي للمجتمع، ما زالت النظرة السلبية نحو الاضطرابات النفسية موجودة، فكثيرون يفسرون الأمراض النفسية بتفسيرات دينية أو خرافية، مثل ربطها بالعين أو المسّ أو الحسد، ما يجعلهم يلجؤون بداية إلى المعالجين الشعبيين أو الشيوخ أو العزلة بدل زيارة الطبيب النفسي، حتى في مسقط التي تشهد درجة وعي أعلى مقارنة بباقي المحافظات.
2- فئات معرضة للخطر دون توفر الدعم الكافي
هناك فئات أكثر عرضة للمشاكل النفسية دون أن تجد الرعاية الملائمة، مثل كبار السن الذين يواجهون العزلة والتغيرات الجسدية والنفسية دون برامج وقائية كافية، والطلاب الذين يعيشون ضغوطاً دراسية وشخصية متراكمة وتوقعات اجتماعية عالية، والموظفون الذين يعانون من ضغوط العمل وصعوبة تحقيق التوازن بين الحياة العملية والشخصية، وأيضاً العاملين في القطاع الصحي الذين أرهقتهم ضغوطات العمل المستمرة وأظهرت هشاشة صحتهم النفسية.
3- عدم وجود توزيع عادل للخدمات النفسية
يتركز أغلب الأطباء النفسيين والأخصائيين النفسيين في مسقط، بينما تبقى المناطق البعيدة أقل حظاً من حيث توافر الرعاية المتخصصة، هذه الفجوة تعني أن كثيراً من المرضى القادمين من ولايات أخرى يواجهون صعوبة في الوصول، ما يؤخر علاجهم ويزيد من تفاقم أعراضهم.
فالتركيز الكبير للمرافق في مسقط يترك نحو 40% من السكان في المناطق النائية دون خدمات نفسية كافية والحل غالباً في العلاج التقليدي أو الديني.
4- ضعف الوعي حتى بين مقدمي الرعاية النفسية
من المؤلم أن نكتشف أن جزءاً من الوصمة موجود حتى بين بعض العاملين في المجال الطبي، حيث أظهرت دراسات حديثة أن نسبة عالية من أطباء الرعاية الأولية في مسقط يعانون من ضغوط نفسية واكتئاب لكنهم لا يسعون للعلاج خوفاً من النظرة المجتمعية أو عدم الثقة بالعلاج النفسي.
الخلاصة:
واقع الصحة النفسية في مسقط يعكس صورة مجتمع يتطور بخطى ثابتة نحو الوعي، لكنه ما زال يواجه تحديات كبيرة تتطلب استجابات شاملة، فعلى الرغم من تزايد الاهتمام بالخدمات النفسية وتوفر مراكز علاجية متخصصة، تبقى الوصمة الاجتماعية، وقلة الوعي، وضعف توزيع الخدمات من أبرز العوائق أمام وصول الرعاية النفسية للجميع.
واليوم أصبت الحاجة ملحّة لبناء استراتيجيات وطنية تضمن التوزيع العادل للكوادر، وتعزز التثقيف المجتمعي حول أهمية طلب المساعدة النفسية دون خجل أو خوف.